دوافع الاستشراق

لقد كان للحركة الاستشراقية دوافع شتّى، وأهداف عديدة، وخاصة ما يتعلق منها بالدراسات الإسلامية. وتجدر الإشارةُ هنا إلى أنّ من الباحثين مَن يُفْرِط في الثناء على المستشرقين عند الحديث عن دوافعهم، ويذهب إلى أن الدافع العلميَّ النزيه كان وراء نشأة الاستشراق، وأن الرغبة في خدمة العلم كانت الحافز الأعظم للدراسات الاستشراقية. من جهة أخرى هناك من يُفْرِط في التحامل على المستشرقين، مُجرِّدَا إياهم من كلِّ قصد نبيل.

أسباب الاستشراق ودوافعه:

  • الدافع الديني:                                                                                                         من هذا الدافع أدركوا الغرب أن الإسلام يمثل تهديداً حقيقياً للنصرانية ،فأخذوا يؤلفون ويكتبون عن الإسلام بروح متعصبة وحاقدة وذلك لتشوية صورة الإسلام لدى الاوروبين حتى لايعتنقوا الدين الإسلامي، وأيضاً لدافع التبشير فقد قاموا بأعمال وحركات  تبشيرية بينهم ، وبذلوا ما بوسعهم لجعل المسلمين يتركون الإسلام أو ترك تعاليم دينهم وتطبيقيها ، فلهذا الدافع أقبل المستشرقين علي تعلم اللغة العربية ليساعدهم علي قراءة العلوم الإسلامية وليعرفوا مبادئ الإسلام ومصادره ولذلك لوضع الخطط والأهداف للهدم الدين ولتشكيك المسلمين في دينهم. “هو السبب الرئيسي المباشر الذي دفع الاروبيين للإستشراق فقد تركت الحروب الصليبية في نفسوهم أثار عميقة بالإضافة  لرغبة النصارى في الدعوة  إلى دينهم” الوجيز في الاديان”[1]. فهو الهدف الأول والرئيسي للإستشراق ،” بدأ بالرهبان فهولاء كان  يهمهم أن يطعنوا في الإسلام ويشوهوا محاسنه ويحرفوا حقائقة”وناك أيضا الهدف التبشيري الذي لم يتناسوه في دراساتعم العلمية ، فأخذوا يهدفون إلي تشوية سمعة الإسلام في نفوس رُواد ثقافهم من المسلمين ، لإدخال الوهن إلي العقيدة الإسلامية والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية ، وكل مايتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث[2].
  • الدافع الاستعماري:                                                                                                                            بعد أن بدأ الاستشراق لدوافع دينية ولدت الأطماع الأوربية في العالم الإسلامي فجاء الاستشراق لخدمة الاستعمار، فقد اتجه الغرب إلي الاستشراق لخدمة الهدف الإستعماري للعالم الإسلامي ، فالمستشرقين كان دورهم نقل وتوصيل المعلومات عن العالم الإسلامي مثل جغرافيته ومكامن قوته ونقاط ضعفه وعن شعوبه ، وأديانه ،ولغاته .. إلي غيره، فهو أذاً كدليل الطريق للإستعمار ومن الأدلة علي ذلك:ماذكره “(الكونت فيليب دي طرازي) : أنه سنة ١٦٧١م أرسل علي الجناب الملك (لويس الرابع عشر) رسالة إلي جميع بلدان الإسلام لشراء المخطوطات ودود مبعوثيه بأوامر شريفة إلي جميع القناصل الفرنساوية ليضعوا رجالهم وأموالهم في خدمة هذه الغاية “[3]، “بعد إنتهاء الحرب الصليبية بهزيمة الصليبيين وهي ظاهرها حروب دينية وفي حقيقتها حروب استعمارية ، فأتجهوا إلى دراسته هذه البلاد في كل شؤونها من عقيدة وعادات وأخلاق وثروات ليتعرفوا إلي مواطن القوة فيها فيضعفوها وإلى مواطن الضعف فيغتنموه”[4].
  •  الدافع العلمي:

كانت أوروبا تعيش في فترة (العصور الوسطى) من القرن الخامس الميلادي حتى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي ،وكانت خلال هذه الفترة تعيش حياة مظلمة بائسة تحت ظل كنيسة مستبدة، فكان أبرز حدث في تلك الفترة هو اتصال اروربا بالحضارة الإسلامية في الأندلس والتي انهل من علومها الفرنجة وكانت هذه الصلة هي أساس النهضة الأوربية المادية الحديثة، فالقليل من المستشرقين أقبلوا علي الاستشراق بدافع حب الأطلاع علي حضارة الأمم الإسلامية ودينها وثقافتها ولغاتها ، فهولاء أقل من غيرهم  من الذين فهموا الإسلام خطأ ،وقد قصد المستشرقين دراسة علوم الشرق الإسلامي في جميع التخصصات العلمية مثل علم الفلك والجفرافيا والتاريخ والعلوم والطب والرياضة والفلسفة وأيضا لدوافع عن التعصب بدون نزاهة ، “أثبتت في المقابل زيف وافتراء المستشرقين وحقدهم يقول كارلايل في كتابة الأبطال : ( لقد أصبح من أكبر العار علي كل فرد فتمدن في هذا العصر أن يصغي إلي ما يظن من أن نحارب مايشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة)”.

  • الدافع السياسي:

برز هذا الدافع مع بداية استقلال البلدان الإسلامية عن الإستعمار الغربي، ” اقتضى التفكير الإستعماري أن يكون في قنصليات الدول الغربية وسفاراتها رجال لهم باع طويل في ميدلن الدارسات الإستشراقية لكي يتحمل هؤلاء مهمة الاتصال برجال الفكر والثقافة للإمتزاج بهم وبث الاتجاهات  السياسية المختلفة بينهم، حتى يكونوا أداة منفذة لكل مخطاطات الأستعمار وأساليبة”، فكان لهذا الأتصال أثر خطير جداو من خلال السفرء الغربيون ليبثون الدسائس والتفرقة بين الدول العربية الإسلامية بحجة النصائح والمعونة والمساعدة، فهم لايزالون يتبنون إلي إضعاف تماسك المسلمين ، ومن المستشرقين أصحاب الدوافع السياسية (برلاند لويس)[5].

  •  الدافع الاقتصادي:

من بين دوافع الاستشراق كان هناك دافعاً اقتصادياً، فقد رغبت الدول الأوروبية في تنشيط تجارتها مع دول الشرق الإسلامي، وتسويق منتجاتها، والبحث عن مواد خام لصناعاتها، فلزِم التعرف على الشرق وطبيعته وجغرافية بلاده، وعادات شعوبه ومعتقداتهم، وتوظيف هذه المعرفة بالشرق فيما يخدم الهدف الاقتصادي.

  • الدافع التجاري:

لطالما رغبت الدول الأوربيية في تنشيط تجارتها مع دول الشرق الإسلامي وتسويق منتجاتها والبحث عن مواد خام لصناعتها ، فجاء هذا الدافع لتعرف علي الشرق وطبيعته ووموارده وثرواته وخيراته لتوظيفة لخدمة الهدف الإقتصادي .

“الدافع التجاري هي من الدوافع التي كان لها أثرها في تنشيط الإستشراق ، ورغبة الغربيين في التعامل معنا لترويج بضائعهم وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كانت لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين ” [6].


[1] ناصر بن عبدالله العقل، الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، دار الصميعي، ط/1، 1413ه-1992م.

[2] مصطفي السباعي ، الاستشراق والمستشرقين مالهم وماعليهم ، دار الوراق للنشر ،٢٠٠٣.

[3] د.اسماعيل علي محمد، الاستشراق بين الحقيقة والتضليل، ط/1، 1419ه-1998م.

[4] مصطفي السباعي، الاستشراق والمستشرقين مالهم وماعليهم ، دار الوراق للنشر ،٢٠٠٣.

[4] المصدر السابق.

[6] ناصر بن عبدالله العقل، الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، دار الصميعي، ط/1، 1413ه-1992م.