إجناس جولد تسيهر

Ignác_Goldziher.jpg

  • أولاً: التعريف بجولد تسيهر:

    إجناس كولد صهر Ignaz Goldziher مستشرق مجري موسويّ،  يُلفظ اسمه بالألمانية اجناتس جولد تسيهر. وُلِد في الثاني والعشرين من شهر يونيو سنة 1266هـ/1850م في مدينة اشتولقيسنبرج في بلاد المجر من عائلة يهودية ذات مكانة عالية وكبيرة، وتوفي سنة 1340هـ/1921م.

  • ثانياً: دراسته وحياته العلمية والاستشراقية:

    قضى جولد تسهير السنين الأولى من عمره في بودابست وهي عاصمة المجر، وذهب إلى برلين سنة 1869م فظلَّ بها سنة، ثم انتقل بعدها إلى جامعة ليبتسك وفيها كان أستاذه في الدراسات الشرقية فليشر -وهو أحد المستشرقين في ذلك الوقت- وعلى يديه حصل جولد تسيهر على الدكتوراه الأولى سنة 1870م. وكانت رسالته عن “تنخوم أورشلمي” وهو عالِم يهودي شرح التوراة في العصور الوسطى.

   ومن ثم عاد إلى بودابست فعُيّن مدرساً مساعداً في جامعتها 1872م، لكنه لم يستمر في التدريس طويلاً وإنما أرسلته وزارة المعارف المجرية في بعثة دراسية إلى الخارج، فعَمِل لمدة عام في فينا وفي لندن، وارتحل بعدها إلى الشرق من سبتمر سنة 1873م إلى أبريل العام التالي. ورحل إلى سورية فتعرَّف بالشيخ طاهر الجزائري وصحبه مدة. وانتقل إلى فلسطين، فمصر، حيث لازم بعض علماء الأزهر. وعُيّن أستاذاً في جامعة بودابست (عاصمة المجر).

   ومنذ أن عُيّن في جامعة بودابست وعنايته باللغة العربية عامة والإسلامية الدينية خاصة تنمو وتزداد، ثم بعد ذلك حقَّق في وطنه شهرة كبيرة جعلته يُنتَخب عضواً مراسلاً للأكاديمية المجرية سنة 1871م، ثم عضواً عاملاً في سنة 1872م، ثم رئيساً لأحد أقسامها سنة 1907م. وعُيّن أستاذاً للغات السامية في سنة 1894م ومنذ ذلك الوقت وهو لا يكاد يغادر وطنه بل ولا مدينة بودابست إلا للاشتراك في مؤتمرات المستشرقين أو إلقاء محاضرات في الجامعات الأجنبية استجابة لدعوتها إياه.

   ظلَّ جولد تسيهر أكثر من ربع قرن يقوم بأبحاثه ودراساته في عالم البحوث الإسلامية إحدى مكتبات مدينة بودابست، فهو الذي فتح الطريق أمام الباحثين الجدد في مجال الاستشراق؛ ولذلك عُدَّ من أئمة الاستشراق وأساتذته.

  • ثالثاً: أهم مؤلفاته:

    بدأ جولد تسيهر نشاطه الكتابي في سن مبكر وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة، له الكثير من التصانيف باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية، كان في كل سنة يكتب بحثاً أو أكثر حتى بلغت مجموعة أبحاثه ومؤلفاته ما يقارب 592 في مختلف اهتماماته في الإسلام والفقه الإسلامي والأدب العربيّ، ترجم بعضها إلى العربية. ونشرت مدرسة اللغات الشرقية بباريس كتاب بالفرنسية في مؤلفاته وآثاره، ومما نشره بالعربية (ديوان الحطيئة) وجزء كبير من كتاب (فضائح الباطنية) المعروف بالمستظهري للغزالي. وترجم إلى الألمانية كتاب (توجيه النظر إلى علم الأثر) لطاهر الجزائري، وكتاب (المعمرين) للسجستاني، ومن أهم مؤلفاته:

  1. الظاهرية مذهبهم وتاريخهم:

   كان أول أبحاثه القيمة والخطيرة في الدراسات الإسلامية وظهر عام 1884، وفيه دراسة عامة عن الفقه وأصوله مع دراسة تفصيلية عن المذهب الظاهري، فتكلم عن أصول المذاهب الفقهية المختلفة والإجماع واختلاف الأئمة والصلة بين المذاهب وبين الظاهرية. كما تحدث عن تطور الفقه وتقدمه، وعن الظاهرية والبحوث الكلامية وتطبيق الأصول الدينية عن طريق ابن حزم. ويزيد من أهمية هذا الكتاب اعتماده فيه على مصادر لم تُطبَع.

  1. مذاهب التفسير الإسلامي:

   طُبِع لأول مرة في لندن سنة 1920، ويُعَد هذا الكتاب آخر كتاب أصدره وتوَّج به حياته العلمية. تحدث فيه أولاً: عن المراحل الأولى للتفسير واختلاف القراءات، ثم طعن فيها، وعن الأحرف السبعة ومصحف عثمان رضي الله عنه، والحديث عن التفسير بالمأثور وادَّعى وجود الكثير من الإسرائيليات فيه، مع وجود اختلاف الروايات بين أقوال الصحابة رضوان الله عليهم “ابن عباس ومجاهد وعكرمة”. ثم تناول الحديث عن التفسير بالرأي، ودور المعتزلة في التفسير، وتفسير الصوفية والخوارج والشيعة. وكانت طريقته في الكتاب مجرد سرد تبعد كل البعد عن الحقائق مما أفضى إلى الكثير من الأخطاء.

  • رابعاً: منهج جولد تسيهر:

 لم يلتزم بمنهجية البحث العلمي، واعتمد على نظرته وآراءه الشخصية في قراءة النصوص وتفسيرها وحاول إعطاء آرائه المصداقية والعلمية، على الرغم من أن أصول البحث العلمي تقتضي عدم تحميل النص ما لا يحتمل خارج إطاره الزماني والمكاني أيضاً. ويُعَد جولد تسيهر  من أخطر المستشرقين على الإسلام والمسلمين لِما يُكِنُّه من الحقد والضغينة والبغض للإسلام، محاولاً التشكيك في أصول الإسلام وضرب ثوابته.

وقد تصدى للرد على افتراءاته كوكبة من العلماء، منهم على سبيل المثال:

  • رد العلامة محمد طاهر بن عبد القادر الكردي في كتابه تاريخ القرآن وغرائب رسمهعلى كتابه “مذاهب التفسير الإسلامي
  • رد الدكتور عبد الوهاب حمودة على نفس الكتاب.
  • رد الدكتور عبد الفتاح شلبي في كتابه رسم المصحف العثماني وأهاوم المستشرقينعلى نفس الكتاب السابق.
  • رد الشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه القراءات في نظر المستشرقين والملحدين“.
  • رد الدكتور شعبان محمد إسماعيل في كتابه القراءات أحكامها ومصادرها“.
  • رد الدكتور حسن ضياء الدين العتر في كتابه الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها“.
  • رد الدكتور ساسي سالم الحاج في كتابه الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية“.
  • رد الدكتور رشاد محمد سالم في كتابه القراءات القرآنية وصلتها باللهجات العربية“.
  • ردود الدكتور علي حسن عبد القادر على كتابه مذاهب التفسير الإسلامي“.
  • ردود الدكتور محمد حسن جبل في كتابه الرد على جولد تسيهر في مطاعنه على القراءات القرآنيةعلى كتابه مذاهب التفسير الإسلامي.
  •  خامساً: بعض أقوال جولد تسيهر وافتراءاته:

–  قال: (لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحى به، له مثل هذه الصورة من الاضطراب، وعدم الثبات كما نجد في النص القرآني).

– وقال: (ولاستقصاء جميع الاحتمالات كان لا بد من اتخاذ البراء بن عازب صحابي الرسول سنداً لرواية مؤداها أن النص كان يُقرأ عدة سنين على عهد الرسول: “حافظوا على الصلوات وصلاة العصر”).

– وقال كذلك: (وليس بواضح حقاً ما قصد من هذه الزيادات، هل قصد أصحابها إلى تصحيح حقيقي للنص، أو إلى إضافة تعليقات موضحة فقط لا تغير النص في شيء، ثم نظر إليها جيل متأخر بالنظرة الأولى).

– وقال عن تفسير القرآن من قِبَل السلف الصالح: (أنهم كانوا يظنون إمكان جعل الحكم الاختياري على قالب النص في الكتاب المقدس شرعياً معتمداً بواسطة أسانيد قديمة لا غبار عليها وإن كانت مخترعة).

– وقال عن الأسانيد: (فإن الاستناد إلى حجج موثوق بها ليس أمراً عسيراً ما دام ذلك راجعاً إلى مجرد اعتماد شفوي).

  • مثال لشبهه، والرد عليها:

   قال: (إذا نظرنا إلى أدب التفسير الذي بلغ نموَّه ثروة عظيمة الخصب، عسر علينا بادئ ذي بدء أن نفهم أننا نقف تجاه نوع من الأدب لم تلق أوائلُه في الدوائر الدينية من صدر الإسلام عدمَ التشجيع فحسب، بل وضع الممثلون الأتقياءُ للمصالح الدينية، أمام هذه الأوائل علامات الإنذار والتحذير، حتى عهد متقدم من القرن الثاني للهجرة نجد شواهد على أن الاشتغال بالتفسير كان منظوراً إليه بعين الارتياب وأن الوعي الجاد كان يتراجع دون مزاولة ذلك في مهابة ونفور). وقال: (ولا يكاد يُحصى عدد الصحابة الذين يرجع إلى روايتهم “العلم” بتفسير مواضع القرآن وإذاً فلا يكاد الباحث الورع في القرآن يحس مرة بالحاجة إلى تدريب فكره الخاص في سبيل المخاطرة بالتفسير بالرأي، فإنه إذا اجتهد في تحصيل المأثور سيجد عن طرق الروايات التي قبلها النقد الإسلامي على أنها جديرة بالتصديق تفسيراً منقولاً ينتهي إلى زمن الصحابة). هنا شبهته تحريم التفسير بالرأي وذكر الكثير من الأدلة الدالة على ذلك من وجهة نظره فنرد عليه بالآتي:

  • أن العلماء قسَّموا التفسير إلى قسمين: تفسير محمود وتفسير مذموم، فالمحمود ماوافق كتاب الله وسنة نبيه صل الله عليه وسلم، والمذموم هو ما خالف الكتاب والسنة النبوية.
  • وجود الكثير من الأدالة الحادثة على الاجتهاد، ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء:83].
  • وكذلك دعاء النبي -صل الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنه-: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل“.

مما يُستَنْتَج من كتاباته:

لوحظ حقده الدفين، وبغضه الكبير الذي يُكِنه للإسلام والمسلمين، ومحاولاته المستمرة للتشكيك في أصول الإسلام وقواعده.


المصادر:

[1] الأعلام للزركلي (1/ 84).

[2] موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، الناشر: دار العلم للملايين، 1993م، ط3، ص197.

[3] مذاهب التفسير الإسلامي، جولدتسيهر، تحقيق: د.عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي، ومكتبة المثنى، 1374هـ/1955م.